يشكّل الأب العمود الأساسي في المنزل، حيث يتوكّأ عليه كل أفراد الأسرة في الشدائد والأفراح، ويكون الملجأ الآمن لهم، والمغيث في أوقات صعوباتهم، والسعيد لنجاحاتهم وتقدمهم. وعلى الرغم من كل المسؤوليات المتراكمة عليه، فإن يومه لا يخلو من مزاح طريف وسوء تفاهم وحنية كبيرة. وفي العام الأخير، قد يلاحظ العديد من الآباء تغيرات في حياتهم، نقلتهم إلى مقلب آخر، كذلك أسرته التي تشاركه المصاعب في هذه الأوضاع. فبعد أزمة كورونا نتيجة الإغلاق العام وآثاره المعيشية والأجتماعية، ها هو اليوم يدخل دوامة الأزمة الاقتصادية. هذه الأزمة تتطلب مسؤوليات أكثر ووعياً أكبر نتيجة عدم الاستقرار الإقتصادي والإجتماعي، ما يشعره بحالة من التوتر اللامتناهي.
هذه التبدلات المتسارعة الناجمة عن أوضاع البلاد، فرضت على الجميع عملية تأقلم سريعة ودونَ راحة زمنية. وهنا، عانى أرباب الأسر المزيد من الضغوط النفسية، لكونهم يتحملون الجزء الأكبر من المسؤوليات من أجل تأمين متطلبات المنزل. ومن وجهة نظر الاختصاصية النفسية سحر صليبي، فاقمت هذه الأمور من شعور الأب بالضغط المتواصل والذنب أيضًا في حالات تقصيره بتأمين أي مستلزمات لأسرته. وتالياً، أصبحت طاقته تستنزف بشكل كبير، أكان لناحية التفكير في إدارة المصروف في زمن انهيار العملية، وعدم حرمان الأولاد من احتياجاتهم.
وفي هذا السياق، أوضحت صليبي أنّ هذه الضغوط على الآباء، تؤدي الى اضطرابات نفسية وقد تصل إلى اضطرابات إدراكية ومعرفية على غرار فقدان التركيز وصعوبة في التذكر وسيطرة الأفكار السلبية عليه. إلى جانب الاضطرابات النفسية التي تظهر على شكل القلق وما ينجم عنه من خفقان في القلب، وصعوبة في التنفس، وصداع، واكتئاب، وخمول. إضافة إلى أنّه يتحول إلى شخص انطوائي وانعزالي، يتجنّب الاختلاط مع الآخرين.
ولا تنتهي الآثار عند هذه الحدود بل تبين أيضًا في اضطرابات بالنوم والشهية وما يرافقها من ألم في المعدة وأوجاع في المفاصل، والأخيرة تندرج تحت خانة “اضطرابات نفسية جسدية”. وفي هذه المرحلة، يبدأ الأب بتجاهل المسؤوليات وتأجيلها.
ولأنّ #صحة الأب النفسية أساسية، قدمّت الاختصاصية النفسية في عيده، مجموعة من طرق تفكير وتصرفات جديدة. ولعلّ من أبرز هذه الإرشادات أنّ يحدد الأب المواقف التي تسبب الضغوط النفسية له، ومن ثمّ مشاركتها ومناقشتها مع أحد أفراد أسرته أو مع شخص يثق به.
هذا، وعليه، تجنب الافراط في التفكير في المواقف المسببة لهذا الضغط، والتعبير عن مشاعره، ومحاولة عدم تأجيل المشاكل التي يعانيها، لأنّه بإمكانه تدوينها ووضع الحلول المناسبة لها. وتبقى النصيحة الأهم في هذه الظروف، عدم تأجيل المشاكل والسماح بتراكمها، لأنها تزيد من الضغوط النفسية عليه.
وعلى الآباء تفهم مشاعرهم، وطلب المساعدة والدعم من محيطهم أو من المرشدين الاجتماعيين والنفسيين دونَ اعتبار أنفسهم ضعفاء من أجل وضع الحلول المساعدة لهم. إلى ذلك، من المفضل المواظبة على تمارين التنفس والقيام بالنشاط البدني والأنشطة التي يهتمون بها، مع تنظيم عملية النوم لديهم وتناول الأكل الصحي.
وفي ختام هذه الإرشادات، إنّ تحديد الآباء لإمكانياتهم والسعي للتعامل مع الأزمات وفقًا لها، يؤدي إلى تخفيف هذه الأعباء النفسية. وتذكروا أنّ صحتكم من صحة أسرتكم.
المصدر: النهار